مقالة جدلية: هل تصلح المنفعة كمعيار للأخلاق؟ |
مقالة جدلية: هل تصلح المنفعة كمعيار للأخلاق؟
المقدمة
تحرك الإنسان دوافع كثير لكنه في كل الحالات لا يخضع سلوكه للغرائز كما هو حال الحيوان مثلا بل أكثر من ذلك بوصف ما يحيط به بل يسعى باستمرار إلى معرفة السلوك الأفضل وهنا يلجأ إلى إصدار أحكام التقييمية على أفعاله وأفعال غيره في محاولة لربطه للطابع الأخلاقي غير أن مسألة تحديد معيار الأخلاق أثارت الكثير من التساؤلات فالإشكالية التي تعبر عن ذلك هل تصلح المنفعة كمعيار للأخلاق؟
الأطروحة الأولى
يؤسس الاخلاق على معيار المنفعة فهو الأصلح والأنسب فالأخلاق هي امتداد وانسجام مع طبيعة الإنسان فالسلوك الأخلاقي يوافق السلوك الطبيعي فالإنسان بطبعه يطلب اللذة ويمسك بها وينفرد من الألم ويرفضه فاللذة هي الخير والألم هو الشر هذا هو شعاره.
البرهنة
إن جميع القائلين بمذهب المنفعة من ايغور إلى بنتان قصدوا باللذة خير وبالألم شر والواقع أن الأطروحة تقود بجذورها إلى الفلسفة اليونانية ممثلة في أرستيبالغورينائي حيث قال:" اللذة هي الخير الأعظم هذا هو صوت الطبيعة فلا خجل ولا حياء" فالأخلاق عنده استجابة لمطالب ورغبات الجسد وفيه ركز على اللذة الجنسية واعتبرها آنية تزول بزوال مسببها وما دام العقل يستطيع التذكر فاللذة الخيرة هي اتحاد الحس مع الذاكرة والحقيقة هو أن هذا المذهب يتحد ظهوره في الفلسفة الحديثة في الفكر الإنجليزي على يد بنتان ومول فالأول ربط المنفعة العامة بالأخلاق وجعلها اسبق من المنفعة الفردية وصاغ ذلك كله في مقياس أطلق عليه اسم مقياس حساب اللذات فاللذة الخيرة تتصف بمواصفات الشدة وعدم اختلاطها بالألم فهي نقية صافية دائمة مؤكدة وقوية وتحدث تلميذه استيوارت ميل حيث قال خير من إنسان أن يكون مفراطا ما إن يكون خنزيرا متلددا فالخير لا يقاس بالكم بل بالكيف وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان فالخير كله الخير عند أنصار الرأي الأول وهو استجابة لصوت الطبيعة.
النقد
ليس دائما كل الم هو شر فالاستشهاد في سبيل الله هو قمة الخير بالرغم من الألم الذي يلحق بالشخص والخيانة هي قمة الشر وإن جلبت السعادة لصاحبها.
الأطروحة الثانية
يرى أنصار الرأي الثاني أن أساس الأخلاق ليس المنفعة بل العقل والمجتمع فعند النظرية العقلية تصورات الإنسان
البرهنة
وإدراكه هو الذي يؤسس الأخلاق حيث قال أفلاطون:" يكفي أن يحكم الإنسان جيدا لكي يتصرف جيدا" وقال قبله سقراط:" العلم فضيلة والجهل رذيلة" وتحدث في كتابه الأخلاق لنيقوماطوس عن دور العقل واعتبره مثل البوصلة وهو الفاصل بين الرذيلة والفضيلة فقال مقالته الشهيرة" الفضيلة وسط بين رذيلتين وضرب الكثير من الأمثلة لتوضيح فكرته الشجاعة وسط بين التهور والجبن والتواضع وسط بين الإدعاء والحياء ويتجلى المذهب العقلي في أفكار كانط حيث اعتبر العقل هو القادر على إعطاء الإنسان إنسانيته فلو كان الخير استجابة للغرائز ولتركيبتنا البيولوجية (فتسود الفوضى) سيكون متغير وستسود الفوضى ويبقى الاحتمال الواحد لخلق النظام ووضع مقياس الخير والشر الاحتكام إلى سلطة العقل فقال:" إعمل كما لو كنت تريد أن يكون عملك قانونا كليا عاما" وقال أيضا:" إعمل على أساس تعتبر فيه الناس غاية لا وسيلة" والحقيقة أن الطرح الاجتماعي يناقض الطرح النفعي ومبرر ذلك في شعارهم:" تبدأ الأخلاق حيث تبدا حياة الجماعة" عن تفكير الفرد هو انعكاس لتصورات الجماعة حيث قال دوكايم:" إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم" وهكذا فإن أنصار الطرح الاجتماعي ناقضوا أنصار الأطروحة النفعية.
التركيب
إن ربط الأخلاق بالعقل يفرغها من كل محتوى واقعي ثم إن محاولة ربطها بالمجتمع يلغي دور الفرد وهو أمر يخالف المنطق والواقع.
الخاتمة
استند أنصار الطرح الأول على فكرة المنفعة ولكنها فكرة تبقى بعيدة عن الإجماع ومستحيلة التطبيق واستند أصحاب الطرح الثاني وأنصاره على العقل والمجتمع واغفلوا حقيقة هامة هي ارتباط الإنسان بالسماء وانطلاقا من هذه المقارنة رأى الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:" الأخلاق يجب أن تؤسس على نوازع الفطرة الإنسانية الطبيعية وكذا الإجماع الإنساني المرتبط بخالق الإنسان ولهذا قيل:" للشرع التنوير والعقل والاجتهاد" فالأخلاق تستند على الوعي كمعيار وعلى العقل كأداة للفهم وعلى روح الجماعة.
تعليقات
إرسال تعليق